الشهيد محمد حمية…قصة ضابط شرطة التحق بالرفيق الأعلى وهو يكافح لضمان لقمة العيش

توفي أبوه في نهاية تسعينيات القرن الماضي تاركا وراءه زوجة مكلومة وأبناء من الذكور والإناث، أكبرهم آنذاك محمد الذي كان في عز مراهقته، تركهم والدهم دون مصر رزق يعينهم على قضاء حوائجهم وسد جوعهم، فقد رحل السند بالنسبة لهم وتركهم ليواجهوا نوائب الحياة.
لم يكن أمام محمد البكر خيار سوى التوفيق بين تحمل مسؤولية عائلته والدراسة …فقد سهر الليالي وواظب على دروسه دون كلل أو ملل ورفع التحدي، ما مكنه من الحصول على شهادة البكالوريا ثم انتقل للدراسة في الجامعة إلى أن تحصل على شهادة الليسانس…وهنا بدأت رحلة جديدة للظفر بمنصب عمل يضمن له العيش الكريم ويسهم في إعالة أسرته ويمسح دموع والدته .
والدته المفجوعة: “ابني تربى يتيما وترك وراءه اليتامى…”
وبسبب صعوبة الحصول على منصب عمل قار في ظل تقدم العدد الهائل من خريجي الجامعات لاجتياز مسابقات التوظيف أو الالتحاق بمختلف الأسلاك الأمنية، تنازل محمد عن شهادة الليسانس اكتفى بالالتحاق بصفوف الشرطة في رتبة عون دفاعا عن وطنه المخضب بدماء الشهداء وسعيا لإعالة إخوته قبل أن يبلغوا أشدهم وتشتد سواعدهم من جهة وضمان مستقبله من جهة أخرى، فكان مسؤولا عن باقي إخوته ووالدته التي رأت أنه قرة عينها ومن يمسح دموعها ويعوضها عن نوائب الحياة إلى أن غادرها على حين غرة بعد أن أمضى عطلته الصيفية معها وشاركها فرحة عيد الأضحى وقاسمها فرحة فوز المنتخب الوطني بكأس أمم إفريقيا..
محمد يغادر للأبد بعد 13 سنة من العمل في سلك الأمن الوطني
ظل محمد رحمه الله في منصبه بالأمن الحضري بالحطاطبة لمدة فاقت العشر سنوات، وهو الذي يشهد له الكل بالتفاني في عمله والاتصاف بالخصال الحميدة، وكان قنوعا بأجرته الشهرية التي سمحت له بالزواج وتكوين أسرته الصغيرة…
محمد كان شعاره رفع التحدي ومواجهة الصعاب والإرادة القوية، فلم تمنعه المسؤوليات المهنية والأسرية من مواصلة دراساته العليا التي مكنته من الترقية الآلية في منصبه إلى ضابط شرطة بعد أن تحصل على شهادة الماستر في الحقوق دفعة 2018، أين تم تحويله للعمل في رتبة ملازم أول بمنطقة كرزاز النائية التي تعد آخر نقطة من الشطر الرابط بين ولايتي بشار وأدرار بالجنوب الجزائري وهو الشطر الذي كان شاهدا على التحاقه بالرفيق الأعلى رفقة زميل له كان بصدد إيصاله إلى هناك فيما نجت أسرته الصغيرة بلطف من الله من الحادث المأساوي.
المئات يشيعون المرحوم في جو مهيب بمسقط رأسه
وتوافد المئات على المسكن العائلي الكائن بحي حمايدي زروق لتقديم التعازي لذويه ومواساتهم في مصابهم الجلل والتداول على إلقاء النظرة الأخيرة عليه، حيث تم تشييع جثمانه الطاهر عصر هذا الأربعاء 21 أوت، إلى مثواه الأخير بمقبرة سيدي عبد الرحمن وذلك بحضور ممثلين عن أمن ولايتي بشار وتيبازة ودائرة أحمر العين وكذا رجال الدرك الوطني الذين أدوا التحية للموكب الجنائزي المحمول على أكتاف قوافل المعزين من أقاربه وجيرانه وزملائه وأصدقائه إلى مسجد التحرير أين صلوا عليه صلاة الجنازة.
وتقدمت الموكب الجنائزي سيارات الشرطة والإسعاف لنقل جثمانه إلى المقبرة، بحضور عدد كبير من محبيه وأصدقائه وزملائه الراحل الذي يشهد له الكل بالطيبة ودماثة الخلق وبحضور رئيس مصلحة الشؤون الاجتماعية بأمن ولاية تيبازة وممثل عن ذات المصلحة بأمن ولاية بشار ومصالح أمن دائرة أحمر العين ورجال الدرك الوطني الذين تابعوا تشييعه بجوار قبر أبيه في جو مهيب.
وبمحيط مسكنه العائلي عدد الحضور خصاله الحميدة ومناقبه وأبدوا تضامنهم الكبير مع عائلته، فيما أبرقت المديرية العامة للأمن الوطني ورئيسي أمن ولايتي بشار وتيبازة ورئيس أمن دائرة دائرة أحمر العين ببرقيات تعازي للعائلة.
المديرية العامة للأمن الوطني تعزي عائلة المرحوم وتتكفل بأسرته الصغيرة
وحسبما علم من مقربي الراحل، فإن ابنيه الصغيرين تم تحويلهما إلى مستشفى الأمن الوطني بالعاصمة “ليقليسين” لمتابعتهما النفسية والصحية، بعد أن تعرض أحدهما لجروح خفيفة، فيما لا تزال والدتهما تحت العناية الطبية بمستشفى بشار بمتابعة طاقم طبي كفؤ وبتكفل تام من طرف المديرية العامة للأمن الوطني بعد أن أصيبت على مستوى الكتف لحظة احتضان ابنيها في تلك الليلة الظلماء.
بلال لحول