العيّنة من بلدية أحمر العين والمجلس الشعبي الولائي لتيبازة: العالم الافتراضي…من فضاء للتواصل الاجتماعي إلى فضاء للفتنة والتنافر

وُجدت مواقع التواصل الاجتماعي للاستغلال الايجابي من خلال الاطلاع على آخر الاكتشافات العلمية في شتى المجالات أو إنعاش النشاطات التجارية أو الاقتصادية والتواصل مع الآخر بسرعة فائقة ربحا للوقت واختصارا للمسافات، لكن هذا الواقع الافتراضي يقترب من إحداث زلزال كبير في طبيعة الحياة البشرية والاجتماعية، وخلق حياة موازية يتدفق إليها الآلاف من الأشخاص ليعيشوا مع أشخاص آخرين بمشاعر “حقيقية” سواء كانت إيجابية أو سلبية، متناقضين بذلك مع مؤسس علم الاجتماع العلامة ابن خلدون القائل أن “الإنسان اجتماعي بطبعه”… .
وفي ظل االشرخ الواضح في العلاقات الاجتماعية ونقص الاتصال المباشر، يجد العشرات من الأشخاص ضالتهم للتعبير عن آرائهم ومشاعرهم سواء كانت إيجابية عن طريق الإعجاب والدعم والتعليقات مؤيدة أو سلبية بإخراج الضغائن والكراهية ونشر البلبلة وإذكاء نار الفتنة، ما أضحى أمرا لافتا وذو تداعيات اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية، حين يقضي الكثيرون معظم أوقاتهم وراء الحواسيب أو الهواتف النقالة في منازلهم أو مركباتهم على قارعة الطريق وحى أثناء القيادة أو في مقاهي الأنترنت أوهم مستلقون في السرير تحت درجة برودة مضبوطة في حدود 16 درجة مئوية خلال هاته الأيام الحارة، لتخلو بذلك الشوارع وتغيب الألفة الأسرية والمجالس الحميمية وتتراجع الحركة وتتعثر التجارة بسبب انزواء الكثيرين وراء العالم الافتراضي واتخاذهم الآلاف من الأصدقاء الافتراضيين مقابل مقاطعة أقرب الناس إليهم في الواقع، حيث بالكاد يلتقي الشخص بأحد أفراد عائلته في المطبخ وهو يبحث عن كأس ماء يطفئ به عطشه أو يتذكر ملامح مقربيه.
ومكن هذا الوضع السيء جراء الإدمان على المواقع والابتعاد عن الواقع الكثيرين من التفاعل مع أشخاص آخرين متناسين سيادة القانون والقيم الأخلاقية، بل تمادى البعض في السخرية والإساءة والتشهير والمساومة والابتزاز وحتى التحرش، مستغلين غفلة الوالدين بالنسبة للقصر أو سوء الفهم أو الاختلاف الذي يحدث بين طرفين اثنين في غالب الأحيان قبل أن يتطور إلى خلاف حاد وملاسنات على الفضاء الأزرق وقذف، خاصة في ظل ركوب بعض الأطراف الموجة واستغلال الوضع المتعفن ليدلوا بدولهم في قضايا قد لا تعنيهم ويزيدون الطين بلة عن طريق “الفيسبوك” دون المواجهة أو الجرأة في الواقع، بلغت بعض هذه الحالات إلى أروقة المحاكم، كما هو الشأن في قضية عالجتها محكمة شرشال شهر فبراير الماضي.
مباراة ودية تؤجج الوضع بين نائب رئيس بلدية أحمر العين ومواطن
وكمثال عن ذلك، هو تفاقم الوضع وتجاوز الخطوط الحمراء بين نائب رئيس بلدية أحمر العين وأحد المواطنين بسبب المباراة الودية التي جمعت بين قدامى نجوم فلسطين وفريق جمعية أمل الريف عشية الاحتفال بالذكرى الـ56 لعيدي الاستقلال والشباب.
وكان أحد المواطنين قد نبّه السلطات المحلية حسبما نشره على حسابه الشخصي، إلى ضرورة وجود رخصة لإجراء المباراة بالملعب البلدي الشهيد أحمد لعجال، الأمر الذي اعتبره نائب المير مسألة لا تخصه بدليل الحصول على الرخصة المطلوبة وإنهاء المشكلة التي كانت ستسبب مشكلا مع الفريق الفلسطيني الضيف.
وأرجع المعني سبب تدخله إلى الحفاظ على سير المباراة وتفادي وقوع طارئ مع حماية للجميع من العواقب، قبل أن يتطور السجال ويتحول إلى صدام محموم بين الطرفين افتراضيا ذكته أطراف أخرى دخلت على الخط واصطادت في المياه العكرة وحاولت خلق الفتنة والبلبلة، في وقت ينتظر المواطن تلبية كافة انشغالاته ومشاكله المتعلقة بالشغل والسكن وإصلاح وضعية الطرقات ورفع الأوساخ وتحسين الإطار المعيشي العام والتكفل بالشباب والطفولة وشتى شرائح المجتمع المحلي.
وفي ظل الحرية شبه المطلقة، أصبح الكثيرون يخرجون مكبوتاتهم افتراضيا ويعبرون عن آرائهم بطرق ومناهج ذاتية في غالب الأحيان بعيدا كل البعد عن الموضوعية في الطرح والمصداقية، حتى بات الجار يتهجم على جاره أو على ابن حيه وقريته عبر الفيسبوك، قبل أن تتطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، إلى جانب ردود الأفعال والخصومات التي تنتج عن تعليق أو منشور ما.
ويحدث هذا في وقت كان حريا الإدلاء بالرأي على الواقع بدل تسارع الأحداث ومنح الفرصة لجهات أخرى استغلت الوضع لصالحها وأخلطت الحابل بالنابل وزادت من اتساع الهوة بين الطرفين، فيما تنصلت جمعية أمل الريف المعنية بالقضية بالدرجة الأولى من كافة مسؤولياتها حسب تعليقاتها على أحد المنشورات، قائلة أن القضية لا تعنيها بل بين الطرفين المذكورين اللذان وجدا نفسيهما في مواجهة شخصية كانا في غنى عنها.
ولولا تدخل بعض العقلاء لتهدئة الوضع والدعوة إلى الهدوء والتعقل بدل المنشورات والمنشورات المضادة، لتعفن الوضع أكثر وصعبت السيطرة عليه.
منشور فيسبوكي يضع المجلس الشعبي الولائي على المحك
وفي نفس السياق، لا يزال الصراع قائما بين رئيس المجلس الشعبي الولائي البروفيسور رشيد كوراد ونائبه محمد عيدات بسبب مناشير على حساب هذا الأخير تمس بالأول حسبما فهم من بوادر القضية التي أسقطت الطرفين في مواجهة مباشرة غذّتها تدخلات أطراف أخرى، وهي القضية التي أثارت الرأي العام المحلي ووصل الحد إلى مرحلة “كسر العظام” وحشد الدعم بالنسبة لكل طرف.
ومهما كانت إغراءات هذا العالم الجديد، فإنه حتما سيقذف بالتحديات الاجتماعية التي قد لا يستطيع الإنسان التأقلم معها، مما يؤدي إلى وقوع هزات عنيفة للمجتمع، إلى جانب مساهمته السلبية في انقسام أبناء المجتمع الواحد والمدينة الواحدة والحي الواحد وحتى العائلة الواحدة بين من يعيش في العالم الافتراضي منغلقا على نفسه ومن يعيش على الهامش، حتى أصبح الابن يكاد لا يتذكر ملامح والديه ويعيش الوالدان بعيدا عن واقعهما، فيرسم كل واحد منهم حياته الافتراضية الخاصة ويتعلق بها، فضلا عن تسببه في اتساع رقعة الشقاق والفتن وإثارة النعرات.
بلال لحول