ANEP: PN2500008

الزوجة ماتت محصورة بين قطعتي حديد والابنة طارت من الزجاج الخلفي: الوالد “ب.الحبيب” يروي مأساة عائلته في حادثة الطريق الولائي رقم 106 بين أحمر العين وسيدي راشد

بمرارة شديدة تلفها الآهات والأوجاع التي لا يحس بها إلا من عاشها بتفاصيلها الصغيرة وحيثياتها المؤلمة يروي لنا السيد “بوريش الحبيب” وجسمه المتعب مدد على فراش المرض بالعيادة المتعددة الخدمات بأحمر العين، تسارع الأحداث وهول الحادث المأساوي الذي راحت ضحيته شريكة حياته وأم أبنائه قبل أن تلتحق بها ابنتهما الطالبة الجامعية “فراح” البالغة من العمر 20 ربيعا دون أن يعلم.

كانت الساعة تشير إلى حوالي الثالثة بعد زوال الـسابع عشر جويلية، عائلة السيد الحبيب بوريش المغتربة والمنحدرة من بلدية صبرة بولاية تلمسان بأقصى الغرب الجزائري تتجاذب أطراف الحديث حول مشاريعها المستقبلية وطموحاتها وأحلامها وآمالها دون أن تدري أن آلامها التي لم تندمل بعد إثر فقدان ابنتهم الطالبة الجامعية قبل حوالي السنة ستتعمق أكثر بعد لحظات قليلة وهم يشوقن طريقهم نحو سواحل تيبازة للراحة والاستجمام.

كل شيء كان عاديا على بعد حوالي 03 كلم عن بلدية احمر العين شمالا في اتجاه سيدي راشد، الجو حار ورطب وأجسام العائلة المتكونة من الوالدين و03 من أبنائهم ما بين العشرين والـ35 عاما متراصة داخل سيارة سياحية من نوع “أفيو شيفروليه” أكثر من 05 ساعات سفر، إلى أن باغت الابن الجالس في المقاعد الخلفية وسط والدته وشقيقته الصغرى المتوفيتان في الحادث الأليم بتحذيره من خطر خروج السيارة قليلا عن الطريق، الوالد ودون سابق إنذار حاول إعادتها إلى الطريق في حركة خاطفة،  ما جعله يفقد السيطرة على المركبة كلية، ثم بدأت في الدوران واستقر جانبه الأيسر على مقدمة سيارة نفعية من نوع “تويوتا هيليكس” كانت تسير في الاتجاه المعاكس، هذه الأخيرة حاول سائقها الذي كان برفقة شخصين آخرين تجنبها والهروب إلى حافة الطريق ،إلا أن الموت كان أسرع.

من شدة وهول الحادث توفيت الوالدة “عرصة الدار” التي أفنت حياتها لرفع أعمدة منزلها ورؤية أبنائها الشبان وهم يحققون أهدافهم وطموحاتهم وإنجازاتهم والسعادة تغمرها، كيف لا وهي برفقتهم من أجل قضاء بضعة أيام ممتعة بسواحل وسط البلاد بعد أن خططت رفقة زوجها المفجوع لاستئجار السيارة، على أن تطير العائلة إلى خارج أرض الوطن مطلع الأسبوع المقبل.

ومن قوة الارتطام، وجدت الأم المسكينة محصورة بين القطع الحديدية على مستوى الرجلين خاصة وأن مقدمة السيارة النفعية استقرت على مستواها خلف مقعد زوجها السائق وكأن بها تقول له “لن يفرقنا إلا الموت وأنا بجوارك” ، في الوقت الذي طارت ابنتها العشرينية “فراح” من الزجاج الخلفي وسقطت وسط حقل القمح وهي تئن من شدة الإصابات والرضوض التي تعرضت لها، كما جرح أخويها سفيان والياس البالغين من العمر 30 و35 عاما في مشهد مأساوي تقشعر له الأبدان.

الوالد ومن هول الصدمة خاصة وأنه مصاب بداء السكري وارتفاع الضغط الدموي المزمنين، لم يتمالك نفسه للاختيار بين أن يبكي زوجته التي فارقت الحياة على الفور أمام عينيه دون أن يكون له الوقت لتلقينها الشهادتين، أو التوجه إلى ابنته المسجاة ليضمها إلى صدره وقلبه ينزف دما، أو الالتفات إلى ابنيه الجريحين أحدهما في حالة خطيرة إثر نزيف دموي داخلي على مستوى الكبد وكسور في الحوض كالمجنون، في وقت حام حوله الناس ومستعملو الطريق الولائي رقم 106 في شقه الرابط بين أحمر العين وسيدي راشد.

يواصل الوالد سرد تفاصيل الحادث المأساوي ليجد بجواره حقيبتي يدي ابنته وزوجته  لينفجر مجددا بالبكاء، ثم قال :”خسارة فارقتها دون أن أطلب منها العفو”، دون أن يدرك أن ابنتهما في طريقها للالتحاق بالرفيق الأعلى وتدفن بجوار والدتها، في هذه اللحظة سارع محققو الدرك والأمن من أجل مواساته تارة ونقل كافة المعلومات عنه وعن عائلته تارة أخرى، فيما كان الطاقم الطبي كخلية نحل يجري في كل الاتجاهات لتحويل المصابين والجرحى على باقي المستشفيات في ظل نقص الإمكانيات على مستوى العيادة وتوفير الإسعافات الأولية لهم مع التخفيف من هول الصدمة، في وقت امتلأت مصلحة الاستعجالات بالمصابين الذين كانوا على متن السيارة النفعية والذين تعرضوا هم الآخرون لإصابات طفيفة عبر أنحاء متفرقة من أجسامهم ورووا هول الحادث المأساوي، حيث أكد لنا السائق أنه لم يتمكن من تفادي الحادث رغم هروبه بالسيارة إلى حافة الطريق.

وسارع الوالد الذي بكى بحرقة إلى ابنته المسجاة والحزن يعتصر قلبه بعد أن يتم نقل جثمان زوجته إلى العيادة المتعددة الخدمات بأحمر العين، وتتهافت سيارات الإسعاف التابعة لذات العيادة والحماية المدنية من أجل نقل الضحايا.

وتبقى الحيطة والحذر وقوة التركيز أثناء السياقة وعدم الانشغال بغير الطريق والحذر من التعب والإرهاق والنعاس وعدم الإفراط في السرعة أمورا لابد منها لتخفيف قساوة الحوادث التي باتت تحصد زهاء 04 آلاف قتيل سنويا وما يقارب 50 ألف جريح ومعاقين ناهيك عن اليتامى والأرامل والثكلى، خاصة وأن الطريق أصبح “غولا” لا ندري ما يخبؤه لنا من مفاجآت تعيسة، حيث يجمع المختصون في المجال أن السرعة المفرطة أو النعاس والتعب أمور من شأنها أن تنقص من ردة فعل السائق ولا تمنحه الوقت الكافي للتفكير في الخروج بأقل الأضرار وتفادي الحوادث المروعة التي باتت تصنع المآسي…

 

بلال لحول